أخـر الأخبــار
Loading...

صورة جيب على حائط

صورة جيب على حائط
قصة بقلم مهند مهدي عبدالله
اللحظة بألف كلمة عابرة،  مارة بالصدفة امام عيني ، تسألت كثيرا كيف يمكن للحظة ان تكون بألف كلمة؟
رأيت الصورة اوضح بعد ان تحرك الباص قليلا إلى اليسار لأرى صورة بارتفاع مبنى لأجمل عينين يمكن ان اراهما بحياتي ، قررت بعدها ان اكون صائدا للحظات وان اخلد احدى لقطاتي على جدارية في مدينتي.
توسلت كثيرا بزوجتي ان تسمح لي بأن اشتري كاميرا رقمية ، رفضها مبرر بالكثير واهمها اني لا أعرف ان التقط اي شيء فكيف بصورة يمكن ان تعلق على جدار بناية؟
بعد اسبوع من الكر والفر والالحاح المستمر وافقت على مضض ، توجهت إلى احد الاسواق القريبة واخذت معي صديقي أحمد الذي يمتلك معلومات جيدة عن الكاميرات والتصوير ، واتفقنا ان يعلمني بعض الاساسيات الضرورية للتصوير ، بعد أسبوعين وفى احمد بوعده من خلال دروس مكثفة عن التصوير تعلمت من خلالها التقاط صور جيدة نوعا ما ، وصرت التقط صورة اي شيء يقع عيني عليه.
سنة كاملة والاف .....
العاشر من الكانون الاول الفين وثمانية عشر ، تاريخ احتفالنا بعيد النصر على الارهاب ، احتفالات عدة في مختلف المناطق قررت ان اخذ كاميرتي السوني دي ثلاثمئة القديمة نوعا ما بالنسبة للكاميرات الحديثة لكنها اول كاميراتي التي احبها ، اخذ جولة بين عدد من المناطق التي تحتفل وتوقفت في احد اكثر الاماكن بذخا بالاحتفال اطفال كثر يرتدون بدلات جميلة وسعداء يهللون ويصرخون ويلوحون للكامرة بعلامات النصر ، كل الاطفال يحتفلون إلا فتاة في السادسة او السابعة من العمر تجلس على ( تنكة ) تضع رأسها بين راحتيها وعلامات الحزن تظهر في عينيها على شكل لمعة جاذبة، التقطت لها عشرات الصور من مختلف الزوايا وكانت في كل صورة تعطي معنى جديد وكلمة جديدة لتصف الصورة بها ، اقتربت منها وسألتها : " لم لا تشاركين الاطفال احتفالهم؟" لم تجبني لكنها امسكت بيدي واخذتني نحو بيت مبني من الطين يرفع على سطحه علمًا عراقيًا كبيرًا!!
تجلس امام بابه المصنوع من برميل قديم وقائمتين خشبيتين امرأة  عجوز تحمل بيدها اليمنى سيجارة  وتدخن كما لو انها اخر سيجارة في الوجود ، كل شهقة تصل إلى عمق الارض وينطلق دخانها من بين شفتيها إلى ابواب السماء ، رأت الكامرة بيدي والطفلة تسحبني من اليد الاخرى ، رحبت بي واجلستني بجانبها ولم نتحدث مطلقا ، قدمت لي سيجارة ، اخذتها من يدها المليئة بالتجاعيد وكأنها ارض متموجة، لونها بلون التراب الذي سفعته الشمس سنين طويلة حتى صار طينه كالفخار ، تزينه ببعض الاخضرارات  على شكل وشوم ، اخذت السيجارة واشعلتها في فمي اخذت منها شهقة عميقة وانا انظر إلى ثلاثة اطفال يلعبون حفاة نصف عراة ، وهي تجلس وكأنها غطت في خيالاتها المتعددة والبعيدة!
نهضت وامسكت بيدي فدخلنا إلى منزل يرتفع سقفه مترين او اعلى بقليل حتى كدت المسه بيديّ اذا رفعتهما ، يحتوى في احدى زواياه على مكتبة خشبية تحمل فوقها اربع او خمس وسائد وعدد اخر من البطانيات ، وفي زاوية اخرى ( تنكة مليئة بالجمر لكني لم أرى ثلاجة او تلفاز او حتى هاتف نقال ( موبايل ) مصباح واحد يتدلى من منتصف السقف ، بلا مروحة!!
وصورة متر بمترين كتب تحته الشهيد البطل فلان الفلاني ملفوفا تحته شالا اسود ،  وجيب بنطال على الحائط علق بمستوى منخفض ، اقترب احد الاطفال لجدتهم يطلب منها مصروفه فقالت له : " خذه من جيب ابيك" فمد الطفل يده في الجيب المعلق على الحائط وأخرج مائتين وخمسين دينارا ، يذهب فرحا ويركض ليشتري فتوالى على جدتهم الاثنان الاخران وليأخذ كل منهما المائتين والخمسين الخاصة به ويركض خارجا!!
التفتت العجوز لي وقالت : "هذا جيب لبنطال ولدي أستشهد في الموصل ، وهذا الشال حول الصورة شال زوجته التي ماتت بعده ، اصيبت في مظاهرات البصرة عن طريق الخطأ "
التقطت صورة الجيب على الحائط واخذت كامرتي وذهبت لألتقط صورًا اخرى غير مهمة!!

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *