أخـر الأخبــار
Loading...

مدينة كفري

مدينة كفري
بقلم ابراهيم قصاب
مدينة كفري, منذ الازل مدينة تركمانية عانت من الويلات والاضطهاد والقمع التي مارستها أنظمة عدة ضد التركمان في العراق واذا عدنا الى القرون الماضية نجد إن نسبة التركمان في هذه المدينة كانت حوالي  90 % الا إنه في العام 1940 وبعد أحداث الحرب العالمية الثانية وبسبب انتشار الفوضى والبطالة والمجاعة توجه غالبية العوائل التركمانية من كفري الى مناطق اخرى اكثر أمناً حيث تكرر هذا المشهد بعد ثورة 1958 و بعد حرب الخليج الثانية عام 1991  حيث نزح المئات من العوائل التركمانية الى المدن حيث تغييرت ديموغرافيتها بمرور الزمن الى أن وصلت الى هذا اليوم الذي يبلغ فيه نسبة التركمان حوالي 18 % . 

إن قضاء كفري من أشهر الأقضية التي سلبت من محافظة كركوك عام 1976 وهي تبعد عن كركوك حوالي 131كم , وقد زار كفري عدة رحالة غربيون مشهورون مثل نيتور سنة 1766  وابو طالب خال عام 1803 وجيمس بيكن عام 1816 وفريزر عام 1834 واخرون , حيث اكدوا خلال زيارتهم لهذه المنطقه بأنها تركمانيه بحته واجمع الرحاله الغربيون بأن مدينة كفري مدينة تركمانية منعزلة تماما عن المدن والقرى الاخرى  . 

سميت المدينة بـ ( كفري ) لوجود الكفر فيها , وهو نوع من القير (الزفت) يطلى به ظاهر القفف و الزوارق و السفن وغيرها , ويؤكد المؤرخون ان اسم كفري قريب من لفظة (كفر) التي تعني نوعا من القير باللغة العربية الدارجة ومن لفظة (كيرو) التي تعنى ( القير ) أيضا في اللغة البابلية و الاشورية,  واصل المدينة هي (اسكى كفرى) وهي مدينة قديمة تقع بالقرب من مدينة كفري الحالية ولم يبق منها إلا الأطلال وقيل إنها تعود الى العهد الاشوري , ويقول آخرون ان ( الكفر) اسم نبات يكثر في تلك الديار محرفة من كلمة (كافور) .

كفري كما تمت تسمية هذا القضاء حديثا كانت وما تزال قصبة تركمانية , وكان يحيط بها سور كبير وطويل وكان لهذا السور أربع بوابات وهي باب اونكي إمام ( أي الاثنا عشر إماما ) يقع شرقا , اما غربا فكان يوجد باب كركوك ثم باب قره داغ شمالا وباب بغداد جنوبا , توجد في كفري قيصرية كبيرة وقيصرية الصلاحية (كفري) هي واحدة من أندر القيصريات الأثرية في العراق الى جانب قيصرية كركوك وقيصرية اربيل , وهذه القيصريات الثلاث تتشابه كثيرا من حيث الطراز المعماري الإسلامي التركي , ويمكن ملاحظة هذا التشابه في أقواس القيصريات وأقبيتها . اما تاريخ بناء وإنشاء قيصرية كفري فيعود الى ماض يمتد الى أكثر من ثلاثمائة سنة خلت , وقد شيدت القيصرية بطابق واحد وتحتوي على حوالي 300 محلا ( دكانا ) وكانت توجد عدة خانات بين تلك المحلات  والتي شهدت مراحل متتالية من التاريخ مذ كانت عاصمة لدويلة مستقلة وتحمل اسم (كيماش) في العهد البابلي، وحتى نهايات العهد العثماني وتأسيس الدولة العراقية الحديثة وأنجبت في كل العهود رجالاً أفذاذا وشخصيات مهمة تركت في تاريخ العراق اثارها كسياسيين ومثقفين وقوادا عسكريين ووزراء وفنانين ومع ذلك تشعر كفري أنها تكاد تكون منسية اليوم بعد ان أصبحت منذ بداية الخمسينات وبإفتتاح الشارع الجديد الذي يربط بين بغداد وكركوك بعيدة عن التواصل مع شقيقاتها المدن الاخرى بحيث شهدت ناحية طوزخرماتو التي كانت ناحية تابعة لقضاء كفري في ازدهارا واضحا مقارنة بكفري التي تفخر بكنوز الآثار التي مازالت تحت أديمها تحتفظ بقصص التاريخ ، الإدارة المحلية أهملت إعادة بناء السد الصغير في موقع (قوشه چاپان) فانقطع الوريد الرئيسي الذي كان يغذي عشرات البساتين العامرة في المدينة حتى عام 1963 فأصبحت جميعها مجرد ذكرى لدى الجيل الذي يكاد ينقرض، فالبساتين التي كانت المدينة تشتهر بها ليست اليوم سوى أسماء مجردة في الذاكرة لاشجار وبساتين كانت ترفد ابناء المناطق المجاورة صنوفا مختلفة من الفواكه والحمضيات والتمور ومن أشهر تلك البساتين : بستان الباشا، وبستان القاضي وبستان مملي وبستان حيارة وبساتين حاجي تورشي وعينة بك وحاجي قره وحاجي عثمان وميللت وقوشقونماز ووابراهيم بيك وميري وملا خليل وغيرها.
وقعت كفري صيد سراق الآثار ومهربيها بحسب ما يشير الباحث قيس قره داغي ,  نلاحظ في المدينة وأطرافها أطلال مناجم كبيرة للفحم الحجري توقفت عن العمل منذ نحو خمسة عقود بعد ان سقط الكثير من عمالها امواتا جراء انهيارها لمرات متتالية ، خاصة في قرية (ناصالح - 3 كلم شرق كفري)، حيث كان الأتراك العثمانيون يستخرجون الفحم منها واستفادوا منه خلال الحرب العالمية الاولى لتشغيل المكائن والآلات والقاطرات ، ويعتقد الأستاذان الآثاريان طه باقر وفؤاد سفر أن كلمة  " كفري" متطورة من كلمة (كار) البابلية وتعني الفحم . 

وتشتهر   كفري بأشجار السدر ومن حولها أبار نفطية يعتقد أنها امتدادات حقول كركوك النفطية لكنها لم تستخرج، فيها هضبة أرتفاعها 335م وتطل على المدينة، ويحتوي قضاء كفري على عدة نواح منها (جبارة وزنانة وسرقلعة وكوكس وخان) وتتبعها ما يقارب المائة قرية، والتي تشتهر بالزراعة وتربية المواشى، ويعتقد ان تسميتها نسبة إلى شجرة الكفَر التي أستعملت لآستخراج الفحم الحجري ولايزال أثاره موجودة في قرية ناصالح القريبة من المدينة .

في القضاء كثير من المراقد المقدسة يؤمنها الزوار في مختلف المواسم منها : مرقد الشيخ بابا : وهي تقع قرب جولاء (قره غان) وعنده ماء خاص يستحم به المصابون بالأمراض المزمنة. ومرقد السيد إبراهيم سمين : حيث يقول الاهلون انه من أحفاد الإمام موسى الكاظم (ع) ويقع بالقرب من ناحية (قره تبه) ..  و مرقد اون ايكي إمام (الائمة الاثنى عشر) ويقع على بعد (5)كيلومتر في شمالي كفري حيث يذكر أنهم مدفونون في المرقد . و مرقد بابا شسهوار : المرقد واقع في الجبل المطل على كفري، في مقبرة كفري التي تدعى باسمه ويقول المعمرون من الأهالي ان صاحب هذا المرقد كان من المجاهدين و استشهد في إحدى المعارك التي وقعت في المنطقة فبقى جسمه هناك في قرية باسمه، بينما استمر يجاهد الكفار برأسه حتى سقط في موضعه الآن في جبل بابا شاهسوار.

وتشير معظم المصادرالخاصة بدراسة المقام العراقي ومنها كتاب الحاج هاشم الرجب ( المقام العراقي ) ان أول مدرسة للمقام انبثقت في كفري على يد المقرئ المبدع ملا ولي عبدالرحمن الذي كان يعتبر حجة زمانه وقد اخذ من مجموعة من قراء المقام في مدن مختلفة لعل اشهرهم على الاطلاق المقرئ المعروف رحمة الله شلتاغ الذي اخذ المقام العراقي من ملا ولي عبدالرحمن حيث ان رحمة الله بن سلطان اغا الملقب بشلتاغ هو من اهالي كفري اصالة وله صلة قرابة مع معلمه الملا من جهة الام وقد ذهب لفترة قصيرة إلى مدينة كركوك واشتهر بين مغنيها ثم واجه والي بغداد واغدق عليه الهدايا لاعجابه برخامة صوته وسعة اطلاعه بالانغام وفي بغداد اشتهر سريعا واصبح له الرئاسة على مغني بغداد واصبحت له مدرسته الخاصة فاجتمع حوله المعجبين ومن
ابرز تلامذته المغني الكبير احمد الزيدان وريباز.

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *