صدر حديثا كتاب (شيبة الوطن النازفة)
صدر حديثا
كتاب شيبة الوطن النازفة
ديوان شعر للشاعر مرتضى التميمي يتناول الكتاب مجموعة قصائد في ذكر الشهداء القادة
اللغة الثانية في "شيبة الوطن النازفة" لمرتضى التميمي
انور غني
ما هو الشعر، بعبار بسيطة هو لغة ثانية، ومن لا تتكلم كلماته بلغة ثانية فهو لم يصل ساحل الشعر. مرتضى التميمي شاعر عراقي متمكن ومتجذر ومتجدد وممن استطاع ان يخلط الاصالة بالتجديد فاخرج نصا مبهرا وعذبا، وهو من القلائل الذين لا تؤثر موسيقاهم الشكلية التقليدية على موسيقاهم الداخلية في التشظي الشعري وهذا امتياز.
في رثائيته الطويلة للشهيد العراقي السعيد ابي مهدي المهندس في مجموعته الشعرية " شيبة الوطن النازفة" يكشف لنا مرتضى التميمي عن شكل من اشكال اللغة الثانية. هناك مقولة اسلوبية تقول "ان الاسلوب شاعر" وهناك اخرى تقول "ان الاسلوب انسان" وهناك مقولة تقول "ان الاسلوب نص" وانا اقول "ان الاسلوب لغة ثانية".
نحن القراء لا نرى الكلمات ولا نسمع الحروف انما نسمع ونرى ونحس شيئا اخر؛ شيئا مختلفا؛ انه اللغة الثانية. هنا في شيبة الوطن تتجلى اللغة الثانية بعناصر اسلوبية فذة. وهنا لا بد من الاشارة الى ان حالة " التجلي" هي التي تميز حالة الابداع، فان الكتابة دوما تشتمل على فن مهما كانت الا انها لا تبلغ حالة الابداع الا بالتجلي، ولقد عالجت وناقشت مصطلح " التجلي" في كثير من مناسبات سابقة بما فيها اطروحة "الفن التجلياتي" الذي تنصهر فيه جميع الفنون.
هنا امامنا حالة من التجلي الابداعي والتي نجدها منثورة في النصوص بشكل الكثيف الذي يذكرني بأرض مدينة الزهور الهندية التي زرتها يوما فكانت ارضا مغطاة بالزهور بالكامل وعلى مد البصر وهنا مرتضى التميمي ينثر بمرثيته هذه أجمل انواع الزهور الاحتفالية وعلى حقول واسعة.
انه (سيخبركَ النجمُ) في حكاياته العظيمة والرفيعة، وهنا نجد " البوح الاقصى" الذي يعبر عن تعبيرية عميقة لدى الكاتب وهو من اشكال اللغة الثانية ومظاهرها وعناصرها الاسلوبية (كيف ارتقى وجهُكَ الفاخرُ) جدا واللامع جدا. وهنا اسلوب "التوجيه الدلالي" وهو شكل من اشكال اللغة الثانية. ثم يخبرنا " كيف تلقّتكَ تلك الغيومُ" وهنا تركيز قاموسي على طبيعة معينة من المفردات سنعرف ما هو تأثيرها لاحقا، والتي (أخجَلها طرفُكُ الآسرُ) لاحظ كلمة (اخجلها) فإنها " بوح اقصى" ولاحظ الاسر فانه " توجيه دلالي" ثم مجموعة الالفاظ المتقدمة المنتمية الى قاموس براق ورفيع كلها تتجه بالقارئ الى فضاء خاص والى ايحاء خاص والى نص خاص وهذا هو " التعبيرية القاموسية" التي هي من اقوى اشكال التجلي التعبيري في النص وهو لغة ثانية. هكذا استطاع المؤلف البارع وبكلمات قليلة ان يحكي لنا قصة لا تنتهي ولا تحد ولا تعد من الرموز والايحاءات والاشارات والتوصيلات، انها لغة ثانية خاصة بمرتضى التميمي وهي تتميز بالقوة والاندفاع وبلوغ المرام والمناطق العميقة في النفس بسرعة فائقة، وهنا تبرز " السرع الشعورية" التي تتجاوز السرع المعنوية الدلالية وهذا ايضا من اساليب اللغة الثانية ومن خصائص البوح التعبيري حيث يسبق الشعور المعنى وأحيانا يصل التجريد.
نلاحظ ايضا ان الشاعر اعتمد السرد، الذي يتفجر منه الشعر، والحكاية التي تتفجر منها الغنائية والتعبيرية وهذه " السردية التعبيرية" اللانثرية وهي ايضا لغة ثانية ومن مظاهر وعناصر اللغة الثانية. ومن ثم بعد انشاء هذا الفضاء ذي الصبغة الخاصة يبدأ المؤلف بوضع نجوم كلماته وسطه وما يتلاءم مع هذا اللون والمزاج فتكون هناك قاعدة لونية للنص من خلالها تتلون باقي عباراته ومفرداته وهذا ما ستجده واضحا في قراءتك للنص بعد هذه الابيات، وهذا التلوين للعبارات هو " مزاج النص" وهو أحد عناصر اللغة الثانية. هكذا فعلا تتجلى اللغة الثانية في كتابات مرتضى التميمي بأسلوب خاص متفرد في هذه المجموعة وغيرها.
ومن ابيات الشاعر
سلامٌ أيها البطلُ المُجزّأ
خلودكَ من دخانِ الموت يبدأ
،،
تنابزك اللئامُ وأنت تبقى
وليّاً عاش في جسدٍ تهرّأ
،،
سلامٌ أيها البطلُ المُضحّي
لشعبٍ نصفُهُ من دون مبدأ
No comments: