الدراسة النقدية لقصيدة (يُعافُ لوردِ وجنتك الشرابُ)للشاعر معتصم السعدون للناقد عبد الباري المالكي
الدراسة النقدية
قصيدة (يُعافُ لوردِ وجنتك الشرابُ)للشاعر معتصم السعدون للناقد عبد الباري المالكي
لقد حاول شاعرنا القدير جاهداً ان يستدرك اللحظة النادرة التي كان يعنيها في قصيدته هذه ، وقد اجزل التعبير بموضوع العلاقة الخالدة التي رسمها مع معشوقته ، ورغم انه قد وقف في تلك اللحظة موقف الحائر المتردد امام رضابها المسكرة ، الا انه قد ايقن في الوقت ذاته ان تلك اللحظة لايمكن ان تمر عليه دون ان يقف متسائلاً امام ورد وجنتيها ، ودون ان يستنبط منها انها سحاب يرفعه في حضرة الاخرين..
وهو اذْ يستمد معظم قوّته من توت خديها ِ ، فانه يعلم انما هو خاضع لناموس الغرام الذي سنَّهُ هو ، وأقرّهُ على نفسه قبل غيره ، فلا توبةَ لعاشق مطلقاً لان ذلك إنما هو صنيعة الخطايا التي نثّها غيمُ عشقه في دمه عمداً أو سهواً ، فاستخلص العبرة من ذلك (وهو الأحق بالعبرة) حين خاطبَ معشوقه الخالد بهذا الخطاب التساؤلي :-
أتعصمني ؟ وانت احق مني
بهذا النور ....................
وهي محاولة بئيسة لدفع الحجة بالحجة اذا قُضيَ الامر وكُشِفَ له الحجابُ .
وقد ادرك شاعرنا شدة الآصرة التي تجمعه مع معشوقه فلا يسمع في صولته الا زئير ليثٍ ، ولايغيب عنه عنصر الصدق الفني في السير بجدٍ واجتهاد للقياهُ بكل صبابة رغم الصعاب ، حتى بدا شاعرنا بميوله الذاتية تلك شجناً معنّىٰ يود التوغل في اعماق غرامه الازلي ، وليس ذلك الا كشفاً خاصا لعناصر الحيوية والبناء اللازم لنمو ذلك العشق وترعرعه رغم الغياب الذي قد يشطر العاشقينِ شطرين ، باسلوب نحس فيه حرارة العواطف وانفعالاتها رغم تسارع حركة المشهد التصويري في اجواء القصيدة والذي قد يكون نتيجة رغبة مبيّتةٍ عنده في التعبير بمستوى حواري واحد هي لغة الشاعر نفسه ...اذ نرى ذلك جلياً في خطاباته المتكررة ذات اللغة الاشتراكية بين العاشقين :-
( وتسكرنا ، ونرجع ، دمنا ،صبوتنا ،يشطرنا ، نستقي )
وهي وان جاءت على لسان العاشقينِ فانها بدت في ملامحها مشابهة لملامح وافكار شاعرنا القدير ، حتى انه جعلها من اولى مهام قصيدته بما ينمّ عن خصائص متفردة لديه ، وهي بلاشك بادرة فنية موفقة تمنح شاعرنا طاقة لغة الحوار المناسبة بعيدا عن استعانة بعض المفردات الثقيلة التي تفقدها دلالتها ومحتواها التصويري الذي اراد الافصاح عنه لنا رغم اعترافه انه فقير لماانزل اليه امام معشوقته التي اقل مايقال عنها انها الركن المهابُ ، ليحترس من المزالق التي تلوّنتْ بها وجوهٌ لايمر بها سرابُ ، كل ذلك دفعه بقوة الى الخضوع التام لفيئِها الكبير الذي صاغ منه وطناً كريماً في ظاهرة استطراد شعري غير مملة ، ليطول الحديث عن شاخصات اليباب وعن خطى مدن بعيدة ، حتى كاننا نلمس في انامله نبعاً لدعاء مجاب ، وقنوتاً ما بين ضلوعه ، اشتركا فيما بينهما لغةً وصمتاً ، ونطقاً وإنصاتاً ، ليُنتجا عاطفة متأججة هي العامل المشترك بين كل المشاهد الحوارية التي تجلّت في قمة الأحداث بمشيب رأسه ووقوفه امام هذا الجمال وطهره بكل صبر وايمان رغم احتراقه بمواقد العذاب والشقاء ، في مشهد تصويري أوحىٰ بشعور العجز الكلي امام هامة معشوقه التي يجد فيها ذنباً لاتكفيرَ عنه حتى وان تاب عنه الاخرون .
ولعل شاعرنا شاء ان يتسامىٰ بفنه ذي المشهد التصويري الساخن تعبيراً منه عن أسىً دفين كومضة شعّت من عيني معتصمنا السعدون لفحت كل اوصاله ،أشدُها قلبُه .
وخلاصة الامر... ان شاعرنا أوحى الى خياله ما ألهمَهُ تلك الصورة بصيغة شعر .
( عبد الباري محمد المالكي )
.........................
قصيدة الشاعر معتصم السعدون السعدون ......َ
يُعــافُ لــوِردِ وجـنـتك الـشَّرابُ
وتُسـكرنا عـلـى بـعـدٍ رُّضَابُ
"-"
ونـرجـع حـامـلين الـحُـبَ ذنـبـاً
إذا الـعُـشاق عـن ذكـراه تـابوا
"-"
يـنثُ الـغَّيمُ فـي دمـنا الخطايا
فـيـرفـعنا لـحـضرتك الـسَّـحابُ
"-"
ولـو أسـدلت مـن خـديك تـوتاً
على الصَّحراءِ تنتفض الشِعابُ
"-"
يـقـيـناً إنـــك الـمَـذكـورُ فـيـهـا
بــخـيـرٍ كــلـمـا قُـــرأَ الـكِـتـاب
أتـعـصمني وأنـت أحـقُ مـني
بـهذا النورِ لو كُشِفَ الحِجاب
"-"
لـصولتك الجموحة في فؤادي
زئـيـرُ الـلَّـيثِ والخلَجات غـابُ
"-"
سـيـرفعني لـنـور عُـلاك قـَلبٌ
إذا قَــصُـرت لـمـرقـاك الـرِقـابُ
"-"
يـجدُ الـسَيرَ فـي لـقياك صـبٌ
وكــم تـحـتاج صـبوتَنا الـصِعابُ
"-"
أنــا يـاذلـك الـشـجن المُعَنَّى
نـديمك حـين يـشطرنا الـغياب
أصـــبُ حـنـين أوردتــي قِـرابـاً
بـنـبضك حـين تـزدحمُ الـقِرابُ
"-"
بـمـا أُنـزلـتُ مــن خـيـرٍ فـقيراً
لـظـلـك أيـهـا الـركـنُ الـمُـهابُ
"-"
لـصـمتك حـيـن تـندلق الـزوايا
وجـــوهٌ لايــمـر بـهـا السَّرَابُ
"-"
أعــيـش بـفـيئها وطـنـاً كـريـماً
وحـولـيَّ كــل شـاخصةٍ يـبابُ
"-"
خُـطى الـمُدنِ الـبعيدة تقتفينا
لـيـولدَ بـعـد مـوطـنها اغـتـرابُ
"-"
هــمـا نـضـاخـتان وأنــت نـبـعٌ
دعاؤك حين نستسقي مُجابُ
"-"
قنوتك في الضلوعِ كَمالُ فرضٍ
وحـرفك فـوق مـنبرها الخِطابُ
"-"
إذا صـبغَ الْمَشِيبُ الرأسَ يوماً
هـواك عـلى مـفارقه الـشبابُ
"-"
عـلوت بـشأنِ أهلِ العشقِ ذكراٌ
كــأنـك فــوق هـامـتهم قِـبـابُ
......
No comments: